عيــد المقاومــة والتحريــر بين النكبة و"النكسة.
د.نسيب حطيط
تصادف الذكرى الحادية عشرة لعيد المقاومة والتحرير مع الفعاليات الإستثنائية للثورات العربية الصادق منها والمشبوه، وبالتزامن مع حراك شعبي فلسطيني إستثنائي أيضا لم يماثله أي تحرك منذ ثلاثة وستين عاما ،يناقض قوافل اللاجئين من فلسطين طلبا للأمن التي صنعت مخيمات الشتات وساهمت في صناعة دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة ،وشرعت الأبواب باتجاه البلاد العربية لتفتتح مرحلة التوسع والإحتلال في مصر والأردن وسوريا ولبنان.
قبل العام 2000 كانت إسرائيل تحتل الأرض وتهجر السكان ولا تنسحب إلا بشروطها وإملاءاتها عبر إتفاقيات سلام تصب في تأمين مصالحها وتخرج الشريك العربي من ساحة المواجهة إلى دائرة الحياد ،إن لم يتجاوزها إلى دائرة التكافل والتضامن مع إسرائيل ضد أشقائه العرب من الفلسطينيين وغيرهم، كما فعل حسني مبارك إمتثالا لإتفاقيات كامب ديفيد فحاصر غزة واعتقل ما سمي بخلية حزب الله في مصر!!.
وكما فعلت السلطة الفلسطينية ضد المقاومين من قتل واعتقال وتنازل عن الحقوق ،لقد كرس إنتصار عام2000 ،نهج المقاومة وأعاد تكوين الوعي العربي والإسلامي بإمكانية الإنتصار على إسرائيل أو على الأقل الصمود في وجهها وإنهاء مقولة (الجيش الذي لا يقهر) وكرس إمكانية تحرير الأرض بالقوة بعد تقاعس المجتمع الدولي... والأكثر من ذلك التحرير بدون شروط وبدون مفاوضات.
والتأكيد على إمكانية ترسيخ معادلة توازن القوة أو توازن الردع الذي يؤمن الأمن والسلام والسيادة الوطنية ،وأزال حالة الإحباط ونظرية الطريق المسدود لتبرير الإستسلام أو الهزيمة ورسخ أيضا فكرة إستبدال ضعف الدولة بقوة الحركة الشعبية المسلحة(المقاومة)مقدمة لصياغة منظومة دفاعية عنوانها الجيش والشعب والمقاومة ،لإحداث التوازن مع العدو الإسرائيلي وحلفائه الغربيين والعرب.
وقد أدى إنتصار المقاومة في لبنان عام2006 للمرة الثانية بعد قتال وصمود لمدة ثلاثة وثلاثين يوما، للتأكيد على قدرة المقاومة بتحقيق الإنتصار ،وأن انتصار عام2000 لم يكن صدفة ولا عطاء مجانيا من الإسرائيليين أو المؤسسات الدولية ،بل بتضحيات المجاهدين وترسخ هذا النهج بعد حرب غزة عام2008 مما أعطى الشعوب العربية الأمل بتغيير الواقع على مستوى الأنظمة أو على مستوى الإحتلال الإسرائيلي أو الأميركي ،وولوج دائرة التحدي والمحاولة والتي ستكون أثمانها أقل بكثير من ثمن الإستسلام والخضوع ،وهذا ما أثبتته التجربة على مستوى العمل العسكري ،وكذلك الثورات العربية التي أزالت الديكتاتور بن علي والديكتاتور مبارك ولا زالت تهز عرش آل خليفة في البحرين وتقلق ما تبقى من أنظمة.
لقد شكلت مارون الراس معجزة التصدي في العام2006 وها هي تشكل الآن بوابة العبور لمسيرة العودة إلى فلسطين من بوابة القرى السبع اللبنانية المحتلة، بالتزامن مع الحدث الإستثنائي من بوابة مجدل شمس في الجولان السوري للتأكيد مرة أخرى أن تحرير فلسطين وحق العودة لا يضمنه القرار 194 الدولي ،بل تفرضه رصاصات المجاهدين ودماء المتظاهرين على السياج الحدودي في مارون الراس أو على بوابات مجدل شمس أو حاجز قلنديا.
لكن المؤسف أن عيد المقاومة والذي ألغته الحكومة اللبنانية في السنوات الماضية ضمن منهجية تسخيف وإنكار الإنتصار في تموز، لتخديروتجهيل جيل الشباب العربي، وتغطية الحقائق لمنع القيام بأي تحرك يوقظ الشعوب من حكامها ومن محتليها ومستعمريها ،وقد سخرت القنوات الفضائية وفتاوى وعاظ السلاطين من العلماء الموظفين لتبرير السلام مع إسرائيل ومنع المقاومة والدعوة إلى إطاعة الحاكم -كما هو- ظالما أو مستبدا أو عميلا، وتم إستئجار وإستثمار أجهزة الإعلام وبعض المثقفين ومما يطلق عليهم إسم المفكرين لتسويق بعض الأفكار الإنهزامية أو التكفيرية أو المشبوهة مما ساعد على حصار نهج المقاومة والممانعة وجعلها في موقف الدفاع لدحض الإتهام أومنعا لتشويه السمعة.
هل يبقى عيد المقاومة والتحرير يوما إحتفاليا عابرا أو نجعله نهجا للمقاومة والتحرير لننشر ثقافة الإنتصار مكان ثقافة الإحباط والهزيمة... ليثمر في أيام النكبة(والنكسة)مسيرات لللعودة بالإتجاه المعاكس نحو فلسطين، فمن حيث عبر اللاجئون يحملون(صرر)الهروب والخوف والهزيمة يعود أبنائهم وأحفادهم حاملين حجارة الكرامة والعزة لتحرير الأرض.
عام1948وعلى دروب اللجوء، هرب الأجداد والأباء والأمهات، حرصا على الأنفس والدماء، وفي عام2011 يعود الأبناء والأحفاد ،يبذلون الدماء حرصا على الهوية والأرض والكرامة وفي كلا الحالتين سالت الدماء، لكن في حالة الهروب والإستسلام خسرنا الدم والأرض والمستقبل وفي المقاومة والصمود سالت الدماء لكننا سنربح الدماء والأرض والمستقبل.
فهل نبقى أسارى العيش الرغيد، نأكل ونشرب وننام كعبيد أمام الأسياد الجدد ،أم نعود كما كنا أسيادا وأحرارا ..فليكن قرارنا وفعلنا الصمود والمقاومة ، فلنكن مقاومين وشهداء بدل أن نكون مستسلمين أذلاء...كل شهيد والوطن بخير